طباعة

مفهوم الدين بين الفكر الإسلامي والمسيحي

Posted in الثقافة

والملاحظ أن ماكس ميلر كان أشد تضييقا لهذه الدائرة، حتى قال: إن الدين هو محاولة تصور ما لا يمكن تصوره والتعبير عما لا يمكن التعبير عنه هو حب الله، فهذه العبارة لا تنطبق في حرفيتها إلا على نوع من الأديان يفصل بين العقيدة والعقل فصلا تاما، ويفرض على معتنقيه أن يؤمنوا بما لا تقبله عقولهم، ولا تتصوره أذهانهم. وهذا التعريف أقرب للديانة المسيحية من غيرها15.

والحق أن الغربيين ميالون -كما سبق أن ذكرنا- إلى الحكم على جميع الأديان بحسب النموذج الذي ألفوه كثيرا وهو المسيحية، وهنا يتجاوز الإسلام المسيحية والبوذية أيضا، وينشأ الاختلاف من أن الإسلام لا يقدم نفسه كمجرد رابطة بين المؤمنين الذين يعترفون بالحقيقة ذاتها وحسب بل كمجتمع شامل ونظام دولة.

لقد انبثقت المسيحية كما يذكر Maxime Rodinsone كنحلة صغيرة في ولاية بعيدة عن المركز في إمبراطورية شاسعة، ولم يبتغ مؤسس المسيحية إنشاء دولة أبدا، بل ألحّ على ضرورة احترام أطر الدولة القائمة، لقد أراد أن يعلم الناس أن يعملوا لخلاصهم ولا شيء أكثر، فغاية المسيحية المثلى بناء كنيسة 16.

يبدو من التعريفات المسيحية سواء كانت من رجال دين أو فلاسفة أنها أفرغت من مضامين الدين الأساسية، وحلت محلها مفاهيم تمثل نظرة إيديولوجية قاصرة، ولم يفلح الفلاسفة في وضع تعريف جامع للدين يمكن من خلاله تجاوز النموذج المسيحي. ونحن نقر بالقصور والعجز الذي أصاب الفكر الغربي المسيحي في وضع تعريف للدين شامل، ومن ثم فهم الظاهرة الدينية، وهذا يعود إلى انخراط الباحثين الغربيين في أحد تيارين :

- إما تيار الاستخفاف بالأديان واتهامها في كل ما جاءت به، وفاء بما يزعم من احترام العقل وتقديس حريته الفكرية.

- أو تيار الانتصار الأعمى والدفاع عن الديانة المسيحية مع اعتبارها نمطا نموذجيا في دراسة الأديان، وهذا ينطبق بصفة خاصة على تعريفات الدين عند كل من ماكس ميلر وهيجل حتى أضحى هذا النمط الفكري شبيها جدًّا بموقف الباحثين اللاهوتيين المسيحيين.

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed