طباعة

العقم الفكري في التفكير الطائفي

Posted in الثقافة


لا ننسى أيضا إن للإنسان مشاعر متناقضة، فهو في حالة تقديس دائم لشعارات قبيلته، محاولة منه لاكتساب السعادة الناقصة في داخله. فالإنسان في بحث دائم عن جنة السعادة المفقودة، فهو يعلم انه مخلوق يميل إلى الألم و الحزن أكثر من ميله للسعادة. فمن السهل أن يكون لنا تجارب حزينة و مؤلمة، لان الألم يأتي أولا من الداخل العميق للإنسان، و ثانيا من التطورات الخارجية التي تشكل تحديا كبيرا له، و اخيرا من العلاقات الإنسانية التي هي اشد ضررا عليه من غيرها. وكما يقول "غوته" "أصعب شيء على الإنسان هو تحمل كمية كبيرة من السعادة لفترة وجيزة".

هذه الرغبة اللاواعية بالألم، هي التي تحمس الإنسان لتقديس آلام بطله الديني أو تقديس آلام أجداد قبيلته، فينتج عن هذا التقديس شعور الاعتراف بالجميل للأرض التي حملتهم، و لليد التي علمتهم مبادئ و أسلوب العبادة. فيلتصق الأفراد بالقبيلة، ليكبلوا بعدها أنفسهم بسلاسل طائفية، فتصبح الطائفية هي العامل الرئيسي الذي يوحد بينهم، ليصنعوا على أساسها، علاقات اجتماعية مبنية على أسس طائفية. هذه الأسس الجديدة المتعارف عليها من قبل جماعة معينة، تؤثر سلبا على أفرادها ، لتجعلهم في صراع دائم، ينشـأ منها انعزال الأنا الجماعية عن العالم المختلف الخارجي، لتضيق حدود الأنا الجماعية و منها الأنا الفردية، لتنعدم الجسور ما بين الأنا الداخلية و الخارج المختلف. و بانعدام هذه الجسور، تنعزل الأنا و تصاب بالعقم، يستحيل بعدها تلقي المعلومات و النظريات أو الأسس الجديدة التي تضاف إليها بشكل طبيعي.

مع فقدان القدرة على فهم العالم الخارجي، يفقد الإنسان القدرة على التحول و التطور، لان القدرة على استيعاب كل ما هو محيط خارجي مختلف، يقوم بدفع الإنسان إلى التكيف مع الآخرين، فهو المحرك الأساسي للتطور و استيعاب الآخر.
إذا الطائفية هي اشد حالات الانعزال النفسي عند الأفراد و الجماعات، فهي الحالة القصوى للعقم الفكري، ومن هنا يكمن الخطر، فكما يقول "نيتشي" "الانعزال النفسي هو الخطر ذاته".
FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed