طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة


أ- الحصول على الأجر والثواب من عند الله- عز وجل- : قال- صلى الله عليه وسلم- : « المؤمن الذي يخالط الناس ، ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم » [11] .

فمتى ما استشعر المربي هذا الحديث ، واستشرف لهذا الأجر العظيم كان ذلك دافعاً له لتحقيق هذا المفهوم مع من يربيهم ، فتجده لا يألو جهداً في معايشة ومخالطة المتربين ، والصبر عليهم في تربيتهم ، والصبر على ما يجده من أذى منهم مقابل ذلك الفضل العظيم .

ب- تهذيب أخلاق المربي : فالمعايشة تهيئ المربي أن يكون قدوة حسنة يقتدى به ، ويؤخذ هذا من قوله- صلى الله عليه وسلم- : « ويصبر على أذاهم » ففي المعايشة نوع من تحسين المربي لذاته ، وتهذيب لخُلُقه وسلوكه خاصةً أنه في مصاف القدوة . إنه لا يكفي أن يكون عند المربي ما يعطيه ؛ بل لا بد أن يكون حَسَنَ العطاء حتى يترك عطاؤه أثراً في نفس المتربي .

ج- معرفة طاقات المتربين وقدراتهم : يستطيع المربي من خلال معايشته ومخالطته لمن يربيهم اكتشاف طاقاتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم ؛ ومن ثَم يستطيع توجيه هذه الطاقات فيما يناسبها ، ويوجه هذه القدرات في مظانها ، ويضع الشخص المناسب في المكان المناسب من خلال تلك المؤهلات ، ولهذا شاهد من السيرة ؛ كما في حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- الذي مر قبل قليل : « أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ... » [12] .

وقال- صلى الله عليه وسلم- : « خذوا القرآن عن أربعة : عن ابن مسعود ، و أُبيِّ بن كعب ، و معاذ بن جبل ، و سالم مولى أبي حذيفة » [13] .

د- معرفة جوانب الضعف في المتربين ومن ثَمَّ معالجتها : يجتهد المربي ويسعى في تطوير المتربي والارتقاء به . ومن محاور التطوير والارتقاء معرفة ضعفه ؛ وذلك من أجل تزويده بالعلاجات المناسبة فيتجاوز هذا الضعف ويرتقي . ومخالطة المتربين ومعايشتهم توفر للمربي ذلك كله .

ولقد استطاع- صلى الله عليه وسلم- بمعايشته لأصحابه معرفة نقاط القوة لديهم ونقاط الضعف أيضاً ، فأثنى على نقاط القوة خيراً كما مر معنا وحذر ونصح وحث في نقاط الضعف من أجل تجاوزها ، وإليك هذا الشاهد : عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال : كان الرجل في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى رؤيا قصها على النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وكنت غلاماً أعزب ، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فرأيت في المنام مَلَكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، وإذا فيها ناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، أعوذ بالله من النار . فلقيهما ملك خر ، فقال لي : لم تراعَ . فقصصتها على حفصة ، فقصتها حفصة على النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل . قال سالم : فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلاً [14] .

هـ- التقويم الصحيح للمتربين : يحتاج المربي في مسيرته التربوية إلى وقفات تقويمية لمن يربيهم ؛ من أجل الارتقاء بهم وإصلاحهم ، ولا يستطيع شخص غير المربي أن يصيب التقييم الصحيح في المتربين ؛ إذ هو أقرب الناس للمتربين من غيره ؛ وذلك بمعايشته لهم ، ومخالطته إياهم ، والقرب منهم . ولهذا شاهِدٌ من السيرة النبوية ؛ فعن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب : أن رجلاً على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حماراً ، وكان يُضحِكُ النبي- صلى الله عليه وسلم- ، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب ، فأُتيَ به يوماً ، فأَمَرَ به ، فجُلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ! فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- : لا تلعنوه ! فوالله ما علمت : إنه يحب الله ورسوله » [15] .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed