طباعة

المعايشة التربوية

Posted in الثقافة


« قد غدت اليوم صحبة المربين لهؤلاء الأحداث ضرورة ملحَّة ، ولا يسوغ أن يُهمَلوا ، أو ينهى المربون عن صحبتهم بحجة الورع ؛ ذلك أن واقع السلف كان يختلف عن واقعنا ، فلم يكن البديل عندهم هو الشارع غير المنضبط أو التجمعات الساقطة مما نشهده اليوم ، بل كانت البيوت ومؤسسات المجتمع التربوية تتكفل بتربية هؤلاء والعناية بهم ، أما الآن فالبديل لصحبة المربين لهؤلاء هو أن يصحبهم شياطين الإنس المفسدين ، والواقع شاهد بأن كثيراً من هؤلاء حين ابتعدوا عن الميادين الصالحة انزلقوا في طرق الفساد .

ومع القول بالحاجة لصحبة المربين للأحداث تبقى هذه النصوص عن السلف لها قيمتها واحترامها ، فعلى المربي أن يراعي ضوابط مهمة في ذلك منها : عدم الخلوة ، أو السفر مع الأمرد لوحده ، ومراعاة المبيت وما يتعلق به » [25] .

و- ألا تؤدي إلى إشغال المتربي معظم وقته ، فلا بد من ترك قدر من وقت الفراغ يُعَوِّدُه فيه على استغلال الوقت في تربية ذاته ، ويتيح له فرصة الاعتناء بدراسته ، وارتباطاته الاجتماعية .

ز- التقليل من اللقاءات الفردية في غير البرامج العامة ؛ بحجة معايشة المتربي والقرب منه أكثر ؛ فكثير منها يتحول إلى علاقة شخصية بحتة تفقد أثرها التربوي .

ح- الاقتصاد في المزاح والهزل ، وعدم الخروج فيه عن حد الوقار والهيبة .

8- المربي بين المعايشة والعزلة القلبية : يقول الدكتور سلمان العودة حفظه الله : « هناك العزلة القلبية التي يقصد بها أن المؤمن الملتزم بالمنهج الصحيح ، وإن خالط الناس وعاشرهم ببدنه ؛ فإنه مزايل لهم بعلمه وقلبه ، مفارق ما هم عليه من التعلق بالبدع ، أو الولع بالدنيا ، أو اتباع الهوى ، ساع لنقلهم عما هم فيه إلى حيث السلامة والأمان . فهو يخالط الناس لغاية واضحة ، هي العمل على انتشالهم من الضلال إلى الهدى ، ومن البدعة إلى السنَّة ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، ولا يستطيع أن يؤدي ذلك بصورة صحيحة مؤثرة إلا من دَاخَلَ الناس وعاشرهم ، وعرف أحوالهم ، وأحسن إليهم بلسانه ويده ما استطاع سبيلاً .

وهذه المخالطة المقصودة تجعل في قلب المخالط شعوراً متميزاً يحميه من التأثر بأعمال الناس وأهوائهم وانحرافاتهم إلى حد بعيد ، وبذلك يتمكن من اكتساب الخصائص الخيرة الجميلة التي قد تنقصه ، ومن الانتفاع بالتجارب التي تزكي العقل الغريزي وتنميه ، ومن الاطلاع على أحوال الزمان وأهله ، ومعرفة حقيقة الانحرافات وأبعادها ، ليقوم بعدُ بمدافعتها ، وعلاجها بالأسلوب الأمثل ، دون أن يؤدي به ذلك إلى الذوبان في المجتمع المحيط به ، أو التخلي عن علمه ، ونيته ودعوته .

وبذلك يجمع بين الخلطة والعزلة ، الخلطة بجسده ومدخله ومخرجه ، والعزلة بقلبه وعمله ومشاعره ، ولذلك يقول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- : « خالطوا الناس ، وزايلوهم ، وصافحوهم ، ودينكم لا تَكْلَمُوه » [26] .

9- برامج عملية وخطوات إجرائية للمعايشة : لعل البعض يطالب بتحويل هذا الكلام النظري إلى برامج عملية وخطوات إجرائية يمكن قياسها وتقويمها ، ولا شك في أهمية هذا المطلب ، خاصةً أن البعض قد يجيد التنظير والتقعيد الكلامي ويعجز عن ترجمته ( كلامياً ) في أرض الواقع ؛ لذا كان لزاماً علينا أن نضع بعض البرامج العملية والخطوات الإجرائية في معايشة المربي لمن يربيهم ، وننبه إلى أهمية استثمار تلك المحاور والخطوات في التوجيه والتربية ، وهي كالتالي :

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed