طباعة

قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟

Posted in الثقافة

فربنا عرفوه بالعقل.. كما يقول الناس أجمعون..)).

برغم كل ذلك كان مما ابتليت به أمتنا طوال قرونٍ طويلة مع الأسف، أن تبني المنهج الإسلامي لأصول التفكير العقلي المنطقي ووضعه لأسس التفكير العلمي كما نعرف من مقال: التفكير العلمي في مقابل التفكير الخرافي والأسطوري، كل ذلك لم يتحول إلى ظاهرة عامة أو حتى شبه عامةٍ تؤثرُ في حياة الناس، وبرغم دعوة الإسلام الصريحة إلى طلب العلم والمعرفة من كل مسلمٍ وكل مسلمة، فإن طريق استقراء العلم الكوني في عالم الموجودات أو عالم الشهادة باستخدام الحواس والمنطق، ظلت حكرا على المشتغلين بالعلوم الدنيوية وعلوم الفقه والكلام والتفسير، إذن فقد ظلت الطريقة العقلية في التفكير مقصورةً على البعض، ولذلك أسبابٌ يصعبُ عليَّ فهمها.

وقد يكونُ السببُ ببساطة هو أن معنى العقل نفسه مختلف عليه، ولذلك ظل عامة الناس على حالهم في معظم الأوقات والأحيان، وظل الاستعداد للإيمان بالخرافة وهو شيءٌ من طبيعة البشر، شائعا بينهم رغم أن الإسلام جاء ليحاربه، إلا أن معنى العقل الذي يأمرُ به القرآن صراحةً مختلف عليه فيما بينهم، ولذلك فإن من اللازم أن نحددَ معنى العقل كما نقصدهُ في هذا المقال وأستشهدُ بالجاحظ (في رسالة المعاش والمعاد)وهو يصف الحكيم بأنه هو من "يحسنُ الخطوَ إلى الهدف الذي يبتغيه، ويبينُ أسباب الأمور ويمهدُ لعواقبها، فإنما حُمِدتِ العلماءُ بحسن التثبتِ في أوائل الأمور، واستشفافهم بعقولهم ما تجيءُ به العواقب، فيعلمون عند استقبالها ما تؤول به الحالات في استدبارها، وبقدر تفاوتهم في ذلك تستبين فضائلهم، فأما معرفة الأمور عند تكشفها وما يظهرُ من خفياتها فذاك أمرٌ يعتدل فيه الفاضل والمفضول، والعالمون والجاهلون"، فالعقل هنا يشير إلى حركةٍ استدلالية من شاهدٍ إلى مشهودٍ عليه، ومن دليلٍ إلى مدلولٍ عليه، ومن مقدمةٍ إلى نتيجةٍ تترتبُ عليها، أو من وسيلةٍ إلى غايةٍ تؤدي إليها تلك الوسيلةُ، وأهم كلمةٍ في هذا التحديد، كما يقول زكي نجيب محمود: {هي كلمةُ "حركة"، فإذا لم يكنْ انتقالٌ من خطوةٍ إلى خطوةٍ تتبعها فلا عقل، إذا أدركت شيئا دونَ أن تنتقلَ من هذه الحالة الإدراكية إلى حالةٍ أخرى تليها وتتوقفُ عليها فلا عقل، إذا حملقتُ ببصري في ثمرةٍ صفراءَ فلا أجاوز منها إلا أنها شيءٌ أصفر، فلا عقل، وإنما يكونُ العقلُ إذا انتقلتُ من رؤية تلك الكرةِ الصفراء إلى العلم بأنها شيءٌ يؤكل، إذا جاءني أحد بنبأٍ، فصدقته إيمانا، ووقفتُ منه عند هذا الحدِّ فلا عقلَ، إنما يكونُ العقلُ حينَ أنتقلُ من ذلك المسموعِ إلى ما يؤيدُهُ أو ينفيه}

فهل هذا المعنى هو المعنى الشائع للعقل في تراثنا؟ للأسف لا !!، فرغم أن النظر بالعقل كانَ أوضح وأبرزَ ما ميزَ حضارة المسلمين، فهم أول من بنوا حضارتهم على أساس النظرة العقلية للوجود وللأشياء، إلا أن الفتن المتتالية التي ابتليت بها الأمة منذ حادثة التحكيم بين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وبين معاوية ابن أبي سفيان، تلك الفتنة التي أفرزت الفرق الإسلامية، وأفرزت معها متكلميها من الفقهاء، والذين انشغلوا كثيرا في الجدل، إضافة إلى فترات الضعف المتتالية وما سبقها أو تلاها من فتن، كل ذلك جعل الهجوم على كلٍّ من العقل والنقل وقودًا لإنهاك المفكرين أنفسهم في الحجج والبراهين العقلية واللا عقلية من أجل الدوران في حلقاتٍ لا تقود إلى شيء، حتى وجد تراثنا من حملوا على العقل واتخذوه عدوا، حتى أن الحافظ العراقي يقول في نهاية تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين التي ورد فيها لفظ العقل: "ولم يصح في فضل العقل شيء"، وأنا أتهم ذلك الوضع الثقافي المبكر،

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed