الموهبة وأثرها في صناعة الأديب
وعلى هذا فالأديب الموهوب يعي منذ أول إدراك له للعالم المحيط به حاجته لان يتأمل ويسمع ويتساءل ومن ثم يثرثر بوضوح ودون تكلف عما يجيش في داخله من مشاعر على أنواعها وألوانها حزنا كانت أم فرحا قبل أن يبدأ في تدوينها على ورق وتتبع ما يغنيها من ألفاظ وعبارات وحجة وخيال بمطالعة من سبقه في هذه الموهبة فيستمتع بما يسمع ويقرا ويمتع بما يقوله ويكتبه دون تكلف أو تمثيل أو تصنع أو إرهاق،.... انه بكل بساطة يمارس بموهبته تلك الفطرة الإلهية التي منحت له فهي لا تكلفه من نفسه أكثر من خفقة قلب أو استنشاق وزفير.
ولهذا نجد الفرق الواسع الشاسع بين كاتب موهوب وكاتب تعلم مهنة الكتابة .؟؟؟
فالأول إذا ما تكلم أطربك بتسلسل أفكاره وترابطها وسهولة ولوجها للقلب والروح دون تكلف فتحرك لديك المشاعر على أنواعها وتأخذك مهما كنت صلبا وخشنا فتسحرك بألحانها وتطربك بأنغامها فتحولك عن السبيل التي كنت قد سلكته وتحول حياتك المرهقة وشجونك وآلامك وقوقعتك التي تسكن بها إلى فردوس تحلق في سمائه فتشعر بالحرية وأنت سجين وبالنعمة وأنت فقير وبالصحة وأنت سقيم وبالسعادة وأنت حزين،....أنها بكل بساطة هي صوت الشاعر وعين الفنان وأنامل الموسيقي ويد المهني وقلم الكاتب الذي يصنع هذه المعجزة التي تطرب العامة وتفك القيود وتحرر الشعوب.
في حين لا يستطيع الكاتب الذي تعلم الكتابة -مهما فعل- وقد رتب الحروف وسطر الصفحات وزينها بالشدات والنوتات والحركات فوضع الفعل في مكانه وصرف الفاعل والمفعول به إلى زمانه وعلق شدة هنا وضمة هناك وكسرة هناك من أن يحرك ولو بمقدار شعرة واحدة المشاعر ؟؟؟
وأنا لازلت اذكر إلى الآن الأديبة الكبيرة مي زيادة وعجزها في التصريف النحوي للكتابات الرائعة التي كانت تتحفنا بها وكان الرأي الغالب لها أن تكثر من قراءتها للقران حتى تتمكن من لغة لم تمتلكها ولكن رغم صعوبتها لم تمنعها من أن تظهر موهبتها وتمكنها من أدواتها الأدبية ومقدرتها الإبداعية على التأثير.؟؟؟ !!!