طباعة

المهدي سيكون عصر اكتشاف قوانين الارتقاء البشري من داخل العلاقات الاجتماعية

Posted in الثقافة

word-opامضى الانسان حتى الان سبعة الاف سنة، منذ ان تاسست الحضارة البشرية المرتكزة الى التنظيم الاجتماعي، والذي يلاحظ بوضوح، ان هذه المسيرة قد اكتنفها او طبعها خياران، هما خيار" حكم الانسان لنفسه" بمواجهة رؤية، " الرضوخ للحكم الكوني "، اي المعاش والملموس بمواجهة وراثة الله للارض وماعليها، وقيام النظام العدل.

 

 

هذا الانقسام في الخيارات والعمل، نجده مجسدا في الدول الفرعونية من ناحية، وضدها من خلال الرؤية التوحيدية النبوية من جهة، بينما نحن نعيش في ظل الهيمنة التي تمارسها دولة الانسان ومفهومه وعلومه وتصوراته.
هذه الحالة التي تستمر خلال ال7 الاف عام المنصرمة، منذ ظهرت الحضارة واولى اشكالها في جنوب العراق، نتجت عن انتصار الغريزة في تكوين الانسان، ولانه كان مايزال يحمل الصفات الحيوانية في بنيته العضوية، الا ان تلك الحضارة لم تنشا في بدايتها لكي تكرس وحدانية مفهوم الانسان للعيش والحكم وانتصاره المطلق، ومع ان هذا الانتصار تحقق في مجرى التاريخ والتجارب الا انه لم يكن مطلقا، بل رافقه ولازم حضور المفهوم او الرؤية او الخيار الاخر اللاحيواني، فاللادولة التي نشات وظلت حية في العراق وطبعت تكوين هذه البلاد، ظلت قائمة وفاعلة، تستند الى النصف غير الحيواني في الانسان اينما وجد وعاش، والنبوة، التي هي التعبير المعاكس للملكية او الامبراطورية او السلطنة او الرئاسة، ظهرت من تضاعيف دولة اللادولة، وظلت تنتشر خارجها / خارج العراق/ منذ الابراهيمة، وان هي لم تتمكن من بسط نفوذها وحضورها كخيار متحقق واقعيا.
استغرقت مسارات الحضارة المعاشة ثلاث دورات تاريخية، في العالم التوحيدي كما في العالم الاوربي. واذ ننظر الى التاريخ العراقي خلالها، فاننا نذهل من هذا الايقاع المتضمن في بنية وتكوين هذه البلاد، حيث حساسية تكوينها الحضاري ودقته وتعقيده المحكم، جعلت هذا المكان محكوما الى الانهيار والموت ثم الى الصعود والنهوض، والى مخطط تحقق للابراهيمة ولخيار دولة اللادولة، اي من الابراهيمة التي تطلق " الوعد خارج ارضها" لتنتهي بالختام، ومن ثم الى " الوعد في ارضه"، اي الى " المهدي "، وهذه هي مسارات التوحيدية التاريخية ومخططها للعالم والحضارة والوجود، فالمهدي الحالي هو بداية اخرى،


وثورة تعيد مسيرة العالم والوجود، ومن هنا يبدا في المستقبل الانتصار الذي ظل منتظرا للخيار المطموس، اي ل " المهدي " الذي هو عالم مابعد خيار حكم الانسان بقوانين الانسان، وهو مايعني طورا اخر من الوجود ومن شكل الحضارة والعلاقات والعيش.
ماذا وراء هذا المخطط الاعلى للوجود، وهل هو مجرد خطة " عبثية" ؟ لو تايعنا تاريخ وحقائق وجود الكائن البشري وخلقه من بدايتها، لعثرنا على سياقات محكمة متضمنة في رقي المخلوق الانساني من بداياته كخلية اولى، الى الطور الاجتماعي الحضاري الحالي. كما ينبغي ان نلاحظ، او نفترض على الاقل، بان هذا المسار التصاعدي في حياة الانسان وتطوره، ليس مما يمكن الحكم عليه بالنهاية،او بلوغ الحدود، او التوقف عند نقطة بعينها، او صيغة وجود وكينونة بذاتها. فالانسان سائر الى الامام، والاغراض الكونية العليا، والشؤون التي لله في هذا المخلوق، لايمكن ادراكها او الفصل النهائي بشانها.
غير ان السؤال الذي يظل معلقا هو : ماذا لو انتقل الانسان من حكم الدولة الحالية، الى واقع اللادولة، وماذا يعني ان يتخلص الانسان من حيوانيته؟ ان صيغ العيش وانماطه، ليست بلا اثر، واشكال المتغيرات والاختلافات البسيطة الحالية بين الشعوب والامم، بناء على واقعها وجغرافيتها وطبيعتها وتضاريسها، تعطينا فكرة اولية مبسطة عن التاثير الهائل الذي سينجم عن قيام مجتمع وعلاقات تنتفي وتغيب فيها، الصفات الحيوانية من تكوين الانسان.
هل يعني ذلك انه سوف يتحول الى عقل محض، ام الى روح، وماانعكاسات ذلك على العقل اصلا، اي ماهي الحدود التي سوف يبلغها العقل حين يتحرر من سطوة الغريزه. يقول العلماء اليوم بان عقل الانسان غير مستخدم كله، وان الانسان لايكاد يستعمل من خلايا عقله سوى جزء يسير لايذكر من تلك الخلايا، وهم يحتارون عادة في تفسير هذه الظاهرة واسبابها، فهل يعني وجود هذه المفارقة العقلية، احد الغرابات الدالة على كلية واتقان مسارات ودياكتيك المسار الكوني للانسان، اي ان هذا الكائن قد وزعت حياته على خيارين الى اجل، يمتد الى سبعة الاف عام، الى ان تنتهي وتغادر كما هو ظاهر الان، ويبدا او تنفتح الافاق امام انتصار الخيار الاخرالمطموس، وان تكوين الانسان النصفي، او المزدوج، مجسد ايضا في العقل المهيأ هو الاخرللعمل في عالم غير العالم الراهن؟



لاشك بان انطلاق العقل خارج الغريزة وقيودها، سوف يسرع من ديناميات عمل العقل، بحيث يصبح حاكما مطلقا، بدل التنازع الحالي الجاري بينه وبين الغريزه الحيوانية، مايعني ان امكانات وطاقات هائلة، سوف تظهر على هذا الكائن وعلى ادائه، وعلى علاقته بنفسه وواقعه والكون. فماذا، او بماذا سيكون العقل موكلا او مكلفا في الحقبة او المرحلة " المهدوية، او خلال عصر الهداية القادم، والذي نتهيأ اليوم للعبور اليه تاركين خلفنا عصورا ومراحل وتواريخ، كانت اجبارية ولازمة وضرورية، حتى ياتي الانتقال مستوفيا للشروط الطبيعية والخلقية التي اقيمت عليها اسس الكون والوجود.
لننظر اولا في مسالة الفترات والمراحل والعصور، فلقد استغرقت المرحلة الاولى من الارتقاء من الخلية الاولى الى الكائن السمكي، مئات الاف السنين ، بينما استغرقت الحقبة الثانية الحيوانية عشرات الاف السنين، واستغرقت الفترة بين اخر الاشكال الحيوانية والانسان العاقل بضعة عشرات الاف، واستغرقت فتر المناصفة او الازدواج الحيواني العقلي الحالي، سبعة الاف سنة فقط، فماذا سيكون او ماهو المتبقي امامنا قبل ان ننتقل الى حقبة اخرى، حسب هذا التسلسل، لايمكن الاان نتصور بان مابقي هو مئات من السنين، وان سيادة نظام اللادولة والعدل المطلق، وعصر المهدي، على مستوى المعمورة، سيكون بحدود الالف عام على او بحدود هذا القدر من السنين.
يصعب على الانسان الغارق في يومياته والمحكوم بشروط عيشه الراهنة، تصور مثل هذه الافاق او التفكير بها او تصديقها، والشيء نفسه ينطبق على منتجات العقل الراهن او مايسمونه " العلم" الحالي، فهذا العلم محكوم مهما تقدم او ارتفع، بشروطه الطبيعية الغريزية وبشروط وعلاقات الحياة القائمة المحكومة الى الدولة القاهرة، وهو والحالة هذه، علم قاصر ومحدود بحدود حالتنا الراهنة، وان بدا متقدما او كاشفا. ومن الامثلة الصارخة على ذلك مسالة الارتقاء التي اكتشفها داروين وعمل عليها آخرون، فهذه النظرية توقفت عند قراءة تاريخ الانسان، وعلى اهمية ذلك الاكتشاف، فانه ظل محكوما الى اطار محدود، ينتهي بالانسان الحالي، اذ يقول هؤلاء بان الانسان بصيغته الراهنة، هو غاية الطبيعة ومنتهاها، وافترضوا ان تطوره البيولوجي، قد توقف بالعموم واذا استمر فسوف يستمر جزئيا. ان مفاهيم هؤلاء الناس، لايمكن ان ترى الى الانسان بصلته بالحقيقة الكونية، او ان يتصورون ارتقاء كونيا، لهذا فانهم توقفوا قاصرين عند نقطة بعينها.


وهذا المثال يمكن ان يدلنا على الكثير من الامثلة العلمية المتداولة ويغيرها، فالعلم البشري الخاضع لكينونة بذاتها في الانسان، ليس هو العلم الاشمل الكوني الالهي، والانسان اذا نظر اليه والى شروط ارتقائه الحالية، فانه لابد ان يخترق هذا المفهوم، لينتقل بالانسان الذي تغيرت وظيفة وحدود عمل العقل فيه، وتبدلت شروط حياته، نحو افق آخر من التغير البيولوجي، اي الى الانتقال من الحالة المادية التي هوعليها الان. فمسارات خلق الانسان تشير الى انتصار مطرد للجانب الروحي على المادي، والعقلي على الغريزي، ومايتوقع بناءء على هذا السياق هو المزيد من انتصار الجانب الروحي، وتضاؤال الجانب المادي الملموس في الانسان الكائن اليوم. فهل سيكون عصر المهدي هو عصر الانتقال البشري الى مرحلة اخرى مختلفة من مراحل الصيرورة ؟
هذا هو المآل الطبيعي للامور وتسلسلها، اي ان الوصول الى مرحلة المهدي وتغير حجم العقل المستخدم، سوف يطلق امامنا امكانات هائلة ومعطيات جديدة من الصعب علينا تخيلها الان. ومع تبدل الشروط المعاشة وانماطها، سوف يظهر نوع او نمط من التاثيرات والتفاعلات التي تجعل من العقل والسياق النفسي وتطوره، يفضي الى سيطرة العقل على الجانب المادي في كينونة البشروتحولهم، فيؤثر فيه ويوجهه،وصولا الى الثورة في ميدان الارتقاء،اي تحقق الارتقاء بالمقاييس العليا الكونية، لاالارضية.
هكذا نكون قد توصلنا الى السياقات التي تنتظر الانسان والارتقاء الكوني للمخلوق الذي اوجده الله لغرض اعلى، وهيأ له الاسباب والعوامل والمحفزات والشروط، لكي يصل الى المطلوب من الوجود " ياايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه " ـ القران الكريم ـ/ الانشقاق/.

 

المصدر : www.m3arej.com