طباعة هذه الصفحة
السبت, 01 كانون1/ديسمبر 2012 23:33

لماذا تسبب الإعلان الدستوري للرئيس مرسي في انفجار الأوضاع في مصر

كتبه  محمد حسن يوسف
قييم هذا الموضوع
(2 أصوات)

 أصدر الرئيس مرسي إعلانا دستوريا مساء يوم الخميس الماضي (22 نوفمبر 2012)، لعل كان من أهم بنوده إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل وشروع قتل المتظاهرين، وتعيين نائب عام جديد، وتمديد مدة عمل الجمعية التأسيسية الخاصة بإعداد الدستور الجديد للبلاد. ويحتوي الإعلان الدستوري أيضا على بند لتحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية من الطعن عليها أمام أية جهة قضائية، وعدم جواز حل مجلس الشورى الحالي أو الجمعية التأسيسية الحالية من قبل أية جهة قضائية.

 وترتب على هذا الإعلان انقسام خطير في آراء الكتلة الوطنية ومواقفهم: ففي يوم الجمعة التالي لصدور هذا الإعلان (23 نوفمبر 2012)، ذهب المعارضون له، وهم يمثلون معظم أطياف القوى المدنية، للتظاهر غضبا عليه بميدان التحرير، في حين ذهبت معظم القوى الإسلامية المؤيدة لهذا الإعلان إلى مقر الرئاسة بقصر الاتحادية للتظاهر فرحا به. 

 

ونحاول فيما يلي البحث في أسباب انفجار الأوضاع في مصر بعد صدور هذا الإعلان الدستوري الجديد، مما أدى لهذا الموقف الملتبس الذي نعيشه الآن:

 

أولا: اعترض الناس على الإعلان لكراهيتهم للإخوان المسلمين. فيكفي أن يكون هذا الإعلان الدستوري صادرا عن معسكر الإخوان المسلمين أو معسكر القوى الإسلامية لكي يلقى هذا الاعتراض الرهيب عليه. فقد شهد المجتمع المصري، للأسف الشديد، في الآونة الأخيرة استقطابا كبيرا، أخذت ملامحه تتجلى في كل مواقف السياسيين، والذي انعكس بدوره على قوى الشعب المختلفة. فيكفي أن يكون أحد الاقتراحات صادرا عن أي تيار ينتمي للقوى المدنية، حتى تعارضه وبشدة القوى الإسلامية. وبالعكس، يكفي أيضا أن يكون هناك اقتراح معين صادرا عن التيارات الإسلامية، حتى تعارضه بشدة القوى المدنية. وهكذا، أصبح هذا هو حال السياسة في مصر بعد قيام أعظم ثورة في تاريخها شهدت أكبر التحام بين جميع أطياف القوى الشعبية. وبالطبع ليس هنا مجال البحث عن أسباب هذا التقزم الذي أصاب الروح الوطنية المصرية في الآونة الأخيرة، ولكن يدل هذا الوضع الذي آل إليه المشهد السياسي الراهن على فجوة رهيبة في مواقف السياسيين، وعلى أن معظمهم لا يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، وإنما المصالح الضيقة لشخصه أو حزبه. وهذه نقطة في غاية الخطورة تحتاج لعلاج سريع وناجع.

 

ثانيا: من أحد أسباب الموقف الراهن هو توقيت إصدار الإعلان الدستوري الجديد. فالساحة تعج بالكثير من الخلافات فيما بين المعسكرين الإسلامي والمدني، وكلا المعسكرين يحمل شكوكا كثيفة تجاه الطرف الآخر ونواياه. وكان من الأولى إصدار قرارات تعالج هذا التشرذم وتحاول رأب الصدع، لا أن تزيده تفاقما وتدهورا. لو أن هذه القرارات تم اتخاذها في وقت مبكر من قيام الثورة المصرية، لما كان الاعتراض عليها بهذه الكثافة. أما أن يصدر هذا الإعلان في ذلك التوقيت، في الوقت الذي تتربص فيه القوى الوطنية ببعضها البعض، فقد قاد لهذا الموقف الملتهب الحادث الآن.

 

ثالثا: عدم توافر الحشد الجماهيري للإعلان الدستوري. فقد كان من الممكن للرئيس أن يعمل على تهيئة الرأي العام لهذا الإعلان الدستوري، عن طريق التمهيد له في وسائل الإعلام، بذكر تفاصيل المشهد الراهن، وكيف أن عجلة الإنتاج معطلة، وكيف أن الاختلاف الكبير في المشهد السياسي له آثار وخيمة على المجتمع ككل، وكيف أن حقوق المتضررين في أحداث الثورة ليس بالمقدور استردادها في ظل الأوضاع الحالية، وكيف أن حال الفقراء أصبح أكثر سوءا، وأنهم هم بالأساس الذين يتحملون فاتورة هذا المشهد العبثي الحادث بسبب التفرق والتشرذم في المجتمع وعدم الاجتماع على رأي واحد، وكيف أن تعطيل ميلاد المؤسسات التشريعية والدستورية عن العمل قد قاد لهذا الوضع الاقتصادي المخيف الذي تمر به مصر الآن ... لو كان كل هذا أو بعضه قد حدث، لكانت مطالب الجماهير هي قيام الرئيس مرسي باتخاذ هذه القرارات، لا معارضته. 

 

ولا يخفى هنا الدور الذي قام، ويقوم، به الإعلام على طول الخط، حيث يوجد الكثير من رجال الإعلام الذين يحاولون لي عنق الحقيقة تجاه الوجهة التي تصب في مصلحتهم، دون مراعاة لمصالح الوطن ككل، ودونما أدنى تقدير لما يحدثه ذلك من شروخ في لُحمة النسيج الوطني وتقويض أركان بنيانه. كما لا يخفى أيضا الأصابع الخفية التي أصبحت تعيث في أرض الوطن فسادا، وتشعل نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. ومما زاد في سوء الأمور أيضا انتشار الإشاعات بشكل خطير بين الناس. فما من دقيقة تمر إلا وتنتشر إشاعة قوية من أحد المعسكرين تنال من المعسكر الآخر وتطعن في أحد رموزه وفي وطنيته وشرفه ونزاهته. هذا الجو المقيت يمهد لحرب أهلية ضروس لن تبقي على الأخضر واليابس لا قدر الله. وما لم ننتبه لخطورة الأوضاع، فسنجد أنفسنا في وضع كارثي لن يُبقي على شيء، ووقتها سوف يكون الندم شديدا في وقت لا ينفع فيه الندم.

 

المصدر : www.saaid.net

 

إقرأ 21381 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 04 كانون1/ديسمبر 2012 23:08

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)