الثلاثاء, 12 حزيران/يونيو 2012 19:03

العقم الفكري في التفكير الطائفي

كتبه  رندا قسيس
قييم هذا الموضوع
(0 أصوات)

icإذا أردنا النظر إلى الحركة الاجتماعية عند الشعوب البدائية، تراها تتشابه إلى حد كبير مع شعوبنا التي ما تزال تتفاعل مع المحيط الخارجي بطريقة فطرية. لا شك إن الإنسان و منذ ولادته، تلد معه رغبة دفينة للتميز عن الآخرين، لكن التربية الاسروية و المعايير الأخلاقية النسبية للمجتمعات هي التي تحدد المنحى للتفرد و التميز.

 

 

غالبا ما يلجأ الإنسان إلى تقليد شخصية أسطورية، تمثل مجتمعه و تمثله.فإذا نظرنا إلى المجتمعات الفطرية، نرى في أساطيرها نموذجا للبطل الأسطوري، غالبا ما يكون هذا البطل مؤسس عقيدة أو دين، أو قد يكون بطلا وهميا. لكن ما يجمع بين هؤلاء الأبطال، هو نموذج لشخصية قائدة تستطيع مجابهة الآخر الغريب لتنتصر عليه، و بانتصارها ترسخ عقائدها على الآخرين.

ولدت هذه الحالة من الدكتاتورية الفكرية منذ ولادة الإنسان، لتنصهر هذه الرغبة الفردية في المجتمع ليتكون بعدها رغبة فطرية قبائلية. فإذا دققنا في تاريخ الهنود الحمر مثلا، نجد في قبيلة "اونونداكا" تمجيد هذه القبيلة لبطلهم الأسطوري "هيواثا"، فقد نسجوا من الخيال الرائع ميلاد و انتصارات هذا البطل.

هذه الصورة المنسوجة من الخيال، نراها تتكرر عند جميع الأنبياء و القديسين. فالإنسان بحاجة إلى صورة إنسانية من عرقه أو جنسه ليمثله و ليستطيع من خلال هذا البطل تحقيق ذاته و كيانه. مع مرور الزمن يتحول هذا البطل إلى رمز ديني، لينتج عن هذا الرمز فروض دينية، فيصبح الفرد في حالة أسيرة لمعتقداته، و كلما زاد شعوره بالانتماء إلى القبيلة، فرض على نفسه و على القبيلة قيودا جديدة، يصعب بعدها كسرها و الانفلات منها. و في هذه الحالة يخلق الإنسان جنة في أعماقه يبيح لنفسه ممارسة الرغبات المكبوتة و المحرمة عليه على العرق الآخر الذي لا ينتمي له.


لا ننسى أيضا إن للإنسان مشاعر متناقضة، فهو في حالة تقديس دائم لشعارات قبيلته، محاولة منه لاكتساب السعادة الناقصة في داخله. فالإنسان في بحث دائم عن جنة السعادة المفقودة، فهو يعلم انه مخلوق يميل إلى الألم و الحزن أكثر من ميله للسعادة. فمن السهل أن يكون لنا تجارب حزينة و مؤلمة، لان الألم يأتي أولا من الداخل العميق للإنسان، و ثانيا من التطورات الخارجية التي تشكل تحديا كبيرا له، و اخيرا من العلاقات الإنسانية التي هي اشد ضررا عليه من غيرها. وكما يقول "غوته" "أصعب شيء على الإنسان هو تحمل كمية كبيرة من السعادة لفترة وجيزة".

هذه الرغبة اللاواعية بالألم، هي التي تحمس الإنسان لتقديس آلام بطله الديني أو تقديس آلام أجداد قبيلته، فينتج عن هذا التقديس شعور الاعتراف بالجميل للأرض التي حملتهم، و لليد التي علمتهم مبادئ و أسلوب العبادة. فيلتصق الأفراد بالقبيلة، ليكبلوا بعدها أنفسهم بسلاسل طائفية، فتصبح الطائفية هي العامل الرئيسي الذي يوحد بينهم، ليصنعوا على أساسها، علاقات اجتماعية مبنية على أسس طائفية. هذه الأسس الجديدة المتعارف عليها من قبل جماعة معينة، تؤثر سلبا على أفرادها ، لتجعلهم في صراع دائم، ينشـأ منها انعزال الأنا الجماعية عن العالم المختلف الخارجي، لتضيق حدود الأنا الجماعية و منها الأنا الفردية، لتنعدم الجسور ما بين الأنا الداخلية و الخارج المختلف. و بانعدام هذه الجسور، تنعزل الأنا و تصاب بالعقم، يستحيل بعدها تلقي المعلومات و النظريات أو الأسس الجديدة التي تضاف إليها بشكل طبيعي.

مع فقدان القدرة على فهم العالم الخارجي، يفقد الإنسان القدرة على التحول و التطور، لان القدرة على استيعاب كل ما هو محيط خارجي مختلف، يقوم بدفع الإنسان إلى التكيف مع الآخرين، فهو المحرك الأساسي للتطور و استيعاب الآخر.
إذا الطائفية هي اشد حالات الانعزال النفسي عند الأفراد و الجماعات، فهي الحالة القصوى للعقم الفكري، ومن هنا يكمن الخطر، فكما يقول "نيتشي" "الانعزال النفسي هو الخطر ذاته".


يتحول هذا السلوك الانعزالي الطائفي الجماعي إلى حالة دفاعية عن الذات، لتتبناه الجماعة و من ثم الأفراد، ليتراكم على اثر هذا السلوك حالة من الخوف تصيب الإنسان، خوف من هدم البناء الذي تـأسس من قبل أجداده و طائفته. هذا الخوف، يجعله يبتعد عن تحديد المصدر الرئيسي لجميع مشاعرالارق، ليعتقد اخيرا إن جميع قلقه و عزلته آتية من الخارج. فالإنسان الفطري عاجز عن التفريق ما بين الأنا الذاتية و ما ينتج عنها، و بين المشاعر الناتجة عن الخارج. لتتكون لديه جميع المخاوف النفسية المتراكمة، فيتحول هذا الخوف إلى شعور بالتعالي على الآخر. فجميع الكتل الجماعية الفطرية تنظر إلى الجماعات الأخرى أحط منها قدرا. وهكذا نرى التشابه ما بين الهنود الأمريكيون الذي يعدون أنفسهم "شعب الله المختار" و بين القبائل الهندية التي تطلق على نفسها "الناس الذين لا ناس سواهم".
المصدر : www.liberaldemocraticpartyofiraq.com

 

إقرأ 7519 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 25 أيلول/سبتمبر 2012 08:32

البنود ذات الصلة (بواسطة علامة)

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed