طباعة

الثانوية العامة مرحلة دراسية أم أزمة نمو ؟

Posted in آباء وأبناء

ولكن المشكلة الأكبر والأعمق والتى تؤدى الى تكرار رسوب عدد غير قليل من طلاب الثانوية لعامة أو اعتذارهم عن دخول الامتحان لأسباب مختلفة , تلك المشكلة هى

" أزمة النمو " فالطالب هنا ( أو الطالبة ) لا يريد أن يتخطى هذه المرحلة الدراسية ( أو العمرية ) فهو يخشى ( بوعى أو بدون وعى ) ما بعدها , فالثانوية العامة هى آخر مرحلة تعليم عام ( غير مميز ) وهى بالتالى قابلة لكل الاحتمالات , أما المرحلة الجامعية التالية فإنها تحدد الطريق التعليمى بشكل نوعى , وبالتالي تحدد مسارات الطموح والأحلام بشكل موضوعي وعملي .

إذن فالثانوية العامة بشكل عام "أزمة مفترقية " وتخطيها يعنى أن الطالب ( أو الطالبة ) قد اتخذ قراراً ( طوعاً أم كرهاً ) بالتحرك فى اتجاه معين , والحركة  فى اتجاه معين يلزمها التخلي عن الحركة فى الاتجاهات الأخرى التى كان يحلم بها أو يتمناها . ومن هنا فالشخصيات غير الناضجة أو الشخصيات المترددة تخشى هذا التجديد وتخشى الإلتزام المحدد وتخشى مسئوليات النضج المتمثلة فى التعليم الجامعى وما بعده من متطلبات العمل والحياة والزواج ... الخ , ولهذا نجد تلك الشخصيات تتحصن وتتمترس فى الثانوية العامة لعدة سنوات خوفاً من المجهول أو خوفاً من التجديد أو خوفاً من الالتزام أو خوفاً من المسئولية أو خوفاً من النضج أو خوفاً من العمل أو خوفاً من الزواج أو خوفاً من كل ذلك .

والطالب وأسرته غالباً لا يدركون هذه الدوافع الخفية وراء الفشل المتكرر ( أو الاعتذار المتكرر ) فى هذه المرحلة فيعزون ذلك الى المرض أو إلى الحسد أو إلى تأثير الأصدقاء أو إلى التدليل الزائد .

وإذا عرفنا أن من أهم أزمات فترة المراهقة أزمة الهوية ( وهى صعوبة الإجابة على سؤال من أنا...؟ وماذا أريد .....؟ والى أين أذهب ....؟ ) , فإننا ربما نفهم تعثر عدد غير قليل من طلاب الثانوية العامة فى تجاوز هذه المرحلة لوقت قد يطول أو يقصر حتى يحسم أزمة هويته وتتضح أو تتأكد خياراته .

وفى بعض الأحيان تأخذ الأزمة شكل آخر , فمع وجود أحد الأبوين ( أوكليهما ) مسيطراً متحكماً قاهراً أو محباً خانقاً فإن الابن ( أو الابنة ) يجدها فرصة لممارسة عناده وللأخذ بثأره خاصة وأنه قد سلم إرادته ( طوعاً أو كرهاً ) لأحد الوالدين أو كليهما طوال فترة طفولته والآن قد حان الوقت ليستعيد هذه الإرادة فيقول لهما " لا " خاصة وانه يجدهما فى غاية القلق على مذاكرته ونجاحه وتفوقه ولهذا يأتى إلينا فى العيادات النفسية آباء وأمهات قلقين ومضطربين بسبب كسل وتراخى وإهمال أبنائهم أو بناتهم وحين نقابل الابن ( أو البنت ) نجده ( أو نجدها ) فى حالة لا مبالاة بل وفى حالة سعادة لأنه قد وصل الى ما يريد وكسر إرادة الأب أو الأم وهو الآن فى موقع من يملى إرادته ويحدد شروطه ويبدأ في مساومتهم على إعطائه ثمناً للمذاكرة والتفوق وإلا " فلا " . وبما أن الابن ( أو البنت ) شخصية غير ناضجة بحكم المرحلة العمرية وغير ناضجة أكثر بحكم طريقة التربية التى تعتبره طفلاً طول الوقت فإنه لا يدرك بشكل كاف أنه يتلاعب بمستقبله الدراسى فهو منشغل بالمعركة مع والديه عن معركته من أجل مستقبله . وحين يأتى الوالدان بابنهما أو ابنتهما الى الطبيب النفسى فهما يريدان منه أن يروضه أو يروضهما لإرادتهما , وهذا حل فاشل بالضرورة لأن الطبيب لو سار فى نفس الاتجاه فإنه يكرر خطأ الوالدين ويدفع الطالب المتراخي أو المعاند أو العدواني الى مزيد من الاضطراب , ولكن الأجدى والأنفع فى هذه الحالة هو أن يهدئ الطبيب من روع الوالدين ويحيدهما ويخفف من وطأة سيطرتهما وتحكمهما وانشغالهما بموضوع المذاكرة طوال الوقت , ثم يبدأ فى التعامل مع الطالب بشكل مختلف وذلك بأن يتعامل معه كراشد ( لا كطفل ) وبما أنه راشد فهو يدرك ويتحمل مسئولية مستقبله الدراسى , وبما أن ضغوط الوالدين قد حيدت بعيداً اذن فقد أصبح لديه (أىالطالب ) الحرية الكاملة فى أن يذاكر أو لا يذاكر وهو فى الحالتين يتحمل مسئولية قراره .

FacebookMySpaceTwitterDiggDeliciousStumbleuponGoogle BookmarksRedditNewsvineTechnoratiLinkedinRSS Feed